ثمّة مأزق يوشك الأميركيون على بلوغه إجبارياً في العام 2024. إنه تكرار لسيناريو خريف 2020: بايدن أم ترامب؟ فلا الجمهوريون ولا الديموقراطيون سيبدّلون حصان السباق. وفي الانتظار، الجميع في العالم يضبطون حساباتهم على أساس من سيأتي إلى البيت الأبيض بعد عام.
يقول الرئيس جو بايدن إنه لم يكن سيخوض الانتخابات الرئاسية، في العام 2020، لكنّ احتمال بقاء دونالد ترامب في ولاية ثانية أجبره على الدخول بقوة. فالديموقراطية الأميركية ستكون حينذاك في خطر. واستتباعاً، هو يجزم بإنه سيتجنب خوض المعركة الرئاسية المقبلة، إذا انسحب ترامب منها.
يعتقد بايدن والفريق الداعم له أن لا أحد سواه داخل الحزب الديموقراطي يستطيع إسقاط ترامب، لا نائبته كامالا هاريس ولا سواها. ولذلك، هو مرغم على النزول إلى الميدان في عمر 82، بكل متاعبه الجسدية والذهنية، ولو أنه كان يفضّل الاستراحة.
ولكن، في المقلب الآخر، ترامب (وهو بالمناسبة أصغر من بايدن بـ4 سنوات فقط) يصرّ على العودة إلى البيت الأبيض. وأساساً، لم يقبل بمغادرته عند خسارة المعركة في العام 2020، وتسبب بما سمّي «حركة التمرد» أو «الانقلاب» التي استهدفت مبنى الكابيتول.
يثق ترامب في أنه سيفوز في هذه المعركة. والاستطلاعات الأخيرة تدعم هذا الاتجاه، وإن كانت مبكرة جداً، ويمكن أن تتبدل جذرياً. وثمة خبراء يعتقدون أن هناك مآخذ كثيرة على بايدن لدى الرأي العام الأميركي، وأن من مصلحة الحزب الديموقراطي خوض الانتخابات بوجه جديد، لأنّ الناخبين سيضطرون إلى اختيار ترامب بدلاً من بايدن، إذا انحصرت المعركة بينهما.
وبسبب أرجحية فوز ترامب على بايدن، يفضّل الحزب الجمهوري خوض المعركة بترامب وليس بأي شخصية حزبية أخرى، على رغم الانتقادات الواسعة التي يتعرض لها هذا الرجل من داخل حزبه، واقتناع الكثير من الجمهوريين بأن ترامب يفرّط فعلاً بالديموقراطية ويغيّر وجه أميركا، وبأنه كاد ان يُشعل فتنة أهلية في نهايات عهده.
إذاً، مسار المعركة الرئاسية الأميركية يتجه في شكل واضح نحو الحسم: ترامب إلى ولاية جديدة، أو ربما ولايتين متتاليتين. وقبل 3 أسابيع، هو لم يتورّع عن القول ممازحاً، رداً على سؤال، عما إذا كان سيستغل السلطة وينتقم من خصومه عند وصوله إلى البيت الأبيض: «نعم. ولكن في اليوم الأول فقط سأكون ديكتاتورياً». وقد علّقت حملة بايدن على جواب ترامب بالقول: «أيها الأميركيون، إنه يكشف لكم بوضوح ما سيفعله، فصدّقوه!
ويراهن كل من الرجلين على اتخاذ القضاء قرارات تؤدي إلى إقصاء الخصم عن السباق. فترامب يواجه المحاكمة على خلفية التحريض الذي قاد إلى وقوع حوادث الكابيتول. وقبل أيام، قضت محكمة كولورادو بعدم أهلية ترامب لخوض الانتخابات، لكنّ الحكم بقي قيد الاستئناف، فيما قضَت محكمة ميشيغان بأن لا مانع من خوضه المعركة الرئاسية. وفي المقابل، يستثمر ترامب ملفات قضائية تطاول هانتر، نجل بايدن، بتهمة التهرب الضريبي.
إذاً، الجميع في العالم اليوم يجري حسابات دقيقة، على توقيت المعركة في واشنطن: إما للاستفادة من بايدن في العام الباقي من ولايته، وإما لإضاعة الوقت مع بايدن انتظاراً لوصول ترامب، وإما للاستفادة من بايدن طوال عام ومن ترامب في الأعوام الأربعة الآتية. وأبرز المراهنين هم:
1- فلاديمير بوتين: بفارغ الصبر هو يمرّر الوقت مع بايدن، انتظاراً للحظة التي سيعود فيها ترامب إلى السلطة، ومعه يعود العصر الذهبي للعلاقات بين الرجلين. ولذلك، لن يقدّم بوتين أي تنازل في أوكرانيا خلال العام المقبل، خصوصاً بعدما أدى فتح حرب أخرى في غزة إلى إضعاف مناعة المتراس الغربي هناك.
2- بنيامين نتنياهو: لم يكن هناك أي انسجام بينه وبين بايدن، في أي يوم. ولذلك، هو يتوق إلى عودة حليفه ترامب، صانع «صفقة القرن»، وشريك اليمين الإسرائيلي.
3- الأوروبيون: خلافاً لبوتين ونتنياهو، سيكون يوم عودة ترامب - إذا تحققت - يوماً أسود لهم، لا سيما للثنائي الأقوى في الاتحاد الأوروبي، ألمانيا وفرنسا. فمن المعروف أن المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل كانت تصاب بالتوتر لمجرد اضطرارها إلى محادثة ترامب أو لقائه. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فكانت الحرب شرسة وعلنية بينه وبين سيّد البيت الأبيض. ولذلك، يمكن أن يحاول الأوروبيون حسم العديد من القضايا العالقة في عهد بايدن ولن ينتظروا وصول ترامب، ومنها أوكرانيا. لكنّ زمام الأمور ليس في أيديهم غالباً.
4- طهران: أيضاً، ترتاح إلى بايدن الذي يرفع شعار الانفتاح عليها، ولو تعذّر التوصّل إلى اتفاق جديد، أو إلى إحياء اتفاق فيينا معدلاً، بسبب اندلاع الحرب في أوكرانيا.
5- بكين: على الأرجح، سيواصل التنين الصيني عملية القضم في العديد من مناطق النفوذ، لا سيما آسيا والشرق الأوسط وإفريقيا، باعتماد نهجٍ واحد، سواء مع بايدن أو مع ترامب.
وهكذا، العالم كله سيضبط الساعات، في العام المقبل، على توقيت البيت الأبيض، تحسّباً لعودة ترامب لـ4 سنوات جديدة، مع ما سيرافق ذلك من تغيير في التوجهات الأميركية داخلياً وخارجياً، ومن إرباكات وصدمات على مستوى العالم.